بقلم بلال فضل ٢٢/ ٦/ ٢٠٠٩
فى ٣٤ عاما هى عدد سنين عمره القصير فشل الزعيم مصطفى كامل وحزبه الوطنى فى إقناع المصريين بأنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. وفى ٢٨ عاما هى عدد سنين حكمه الطويل نجح الزعيم حسنى مبارك وحزبه الوطنى فى إقناع المصريين بأن هناك حياة مع اليأس، لدرجة أن بعض من عاش فى عهده أصبح يعتقد أنه لا حياة بغير اليأس.
ستصل إلى هذه النتيجة من تلقاء نفسك وأنت تنهى قراءة كتاب «الشمس المشرقة» الذى كتبه الزعيم مصطفى كامل فى بدايات القرن العشرين، وقلّبت هيئة قصور الثقافة علينا المواجع بإعادة نشره قبل عامين.
لا أنوى مبدئيا عقد مقارنة بين الزعيم مصطفى كامل والرئيس مبارك، فمثل هذا النوع من المقارنات مبتذل، لأنه يقارن بين سياقات تاريخية مختلفة فلا ينصف أحدا ولا يظلم سوى الحقيقة، هنا تحضرنى عبارة بديعة قرأتها للمؤرخ د. يونان لبيب رزق فى دراسة له بمجلة «المصور» نصها «نسبة كل تطور إلى فضل أفندينا يجافى منطق التاريخ، كل ما فى الأمر أن يأتى الحاكم المناسب الذى يتفهم الظرف التاريخى فى الوقت المناسب»،
وبالقياس فإن نسبة كل تدهور إلى خطأ أفندينا فقط يجافى منطق التاريخ ويعفى من المسؤولية كثيرين منهم أعوانه الذين لم يأخذوا بيده أو على يده ومنهم شعبه الذى وقف يتفرج على حكمه كأنه تمثيلية لا تبدو مغرية حتى بمتابعتها بشغف.
وأنت تقرأ الكتاب المدهش العصى على التلخيص ستكتشف عظمة مصطفى كامل ونفاذ بصيرته وهو يشخص أسباب تأخر مصر عن اليابان، لاحظ هنا أنه يتحدث عن اليابان أوائل القرن العشرين قبل أن تكبو فى منتصفه ثم تنهض من كبوتها نهضة أشمل، يدوس رحمه الله على الجرح قائلاً: «إن الأمم لا تنهض إلا بتوفر صفتين رئيسيتين فطريتين فى الشعوب أو مكتسبتين هما: الشهامة وحسن الاعتقاد فى النفس»،
ويرى أن توفر هاتين الصفتين فى الأمتين اليابانية والتركية هو سبب تقدمهما رغم كل الحوادث العديدة التى لو لحقت بغيرهما من الأمم لقضى عليها، لكنه ينفى أن تكون هناك أمم تولد ذليلة أو جبانة قائلاً: «إن مصلحة الحكام الظالمين تقتضى دائما قتل عواطف الشهامة والهمة والشعور الراقى فى الأمم لأنهم يريدون أن يحكموا قطيعا من الأغنام فى صورة إنسان..
والمنفعة الكبرى للتاريخ هى إقناع الناس بأنهم لم يكونوا جبناء من يوم مولدهم، وأن رضوخهم للظلم جاء لأسباب عارضية قهرية.. وإذا جاء يوم يفتخر المصرى فيه بأنه مصرى ويقبل الموت حبا فى مصر طائعا فرحا فبشر أهل هذه الديار بكل ما يبتغون من سيادة وعظمة واستقلال».
تدعو الله أن ترى هذا اليوم فى حياتك وتواصل قراءة ما كتبه الزعيم مصطفى كامل متحسرا على كونه صالحا للاستخدام الآن لأنه لم يمس ولايزال بكرتونته، وأغلب الظن أنه لن يمس أبدا، يقول رحمه الله: «لو بحثنا بحث إنصاف واعتدال فى الأسباب التى قضت علينا لوجدناها فى استعمال الحكام والأمراء للسلطة المطلقة استعمال جنون واستبداد واستخدامها لأهوائهم النفسانية ومطامعهم الشخصية وإماتتهم الشهامة فى الأمة وقتلهم لكل إرادة فيها وإدخالهم الاعتقاد فى نفوس أبنائها بأنهم ضعاف عاجزون لا حول لهم ولا قوة وأنهم متاع للحاكم يلعب به متى شاء ويبيعه إن أراد، وهكذا السلطة المطلقة إذا ضلت تخرب فى يوم واحد ما يعمر فى قرون، وبالعكس إذا وجهت للخير تبنى فى يوم ما لا تبنيه حكومات الدستور فى سنين وأعوام».
بذمتك هل يقال بعد هذا الكلام كلام؟. نعم يقال. فى كتابه يسأل مصطفى كامل فى لوعة عما كان سيحدث لو عادت الحياة إلى محمد على قائلاً: «ألا تراه أشقى الناس جميعا لو رأى مصر وقد تشوهت وقد تركها جميلة قادرة تعشقها الدنيا، ولايستطيع الدنو منها إنسان». سؤاله سيجعلك تسأل نفسك فورا: ما الذى سيحدث لو عادت الحياة إلى مصطفى كامل ليرى بعينى رأسه حال مصر واليابان اليوم؟!
فتحمد الله لأنه لن يعذب مصطفى كامل عذابا كهذا، فأنت تدرك أنه لو شهد أيامنا التى أصبح المصريون يفضلون فيها شعار مصطفى كامل المطرب «عم قول يا رب»، لما نجا من الجنون الفورى ولاستعوض الله فى كل العمر الذى قضاه فى النضال ولاستبدل شعاره الشهير بشعار عبدالفتاح القصرى الأصلح لهذه الأيام المباركة: «لا يأس مع الحياة ولا حياة لمن تنادى».
* يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. belalfadl@hotmail.com
فى ٣٤ عاما هى عدد سنين عمره القصير فشل الزعيم مصطفى كامل وحزبه الوطنى فى إقناع المصريين بأنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. وفى ٢٨ عاما هى عدد سنين حكمه الطويل نجح الزعيم حسنى مبارك وحزبه الوطنى فى إقناع المصريين بأن هناك حياة مع اليأس، لدرجة أن بعض من عاش فى عهده أصبح يعتقد أنه لا حياة بغير اليأس.
ستصل إلى هذه النتيجة من تلقاء نفسك وأنت تنهى قراءة كتاب «الشمس المشرقة» الذى كتبه الزعيم مصطفى كامل فى بدايات القرن العشرين، وقلّبت هيئة قصور الثقافة علينا المواجع بإعادة نشره قبل عامين.
لا أنوى مبدئيا عقد مقارنة بين الزعيم مصطفى كامل والرئيس مبارك، فمثل هذا النوع من المقارنات مبتذل، لأنه يقارن بين سياقات تاريخية مختلفة فلا ينصف أحدا ولا يظلم سوى الحقيقة، هنا تحضرنى عبارة بديعة قرأتها للمؤرخ د. يونان لبيب رزق فى دراسة له بمجلة «المصور» نصها «نسبة كل تطور إلى فضل أفندينا يجافى منطق التاريخ، كل ما فى الأمر أن يأتى الحاكم المناسب الذى يتفهم الظرف التاريخى فى الوقت المناسب»،
وبالقياس فإن نسبة كل تدهور إلى خطأ أفندينا فقط يجافى منطق التاريخ ويعفى من المسؤولية كثيرين منهم أعوانه الذين لم يأخذوا بيده أو على يده ومنهم شعبه الذى وقف يتفرج على حكمه كأنه تمثيلية لا تبدو مغرية حتى بمتابعتها بشغف.
وأنت تقرأ الكتاب المدهش العصى على التلخيص ستكتشف عظمة مصطفى كامل ونفاذ بصيرته وهو يشخص أسباب تأخر مصر عن اليابان، لاحظ هنا أنه يتحدث عن اليابان أوائل القرن العشرين قبل أن تكبو فى منتصفه ثم تنهض من كبوتها نهضة أشمل، يدوس رحمه الله على الجرح قائلاً: «إن الأمم لا تنهض إلا بتوفر صفتين رئيسيتين فطريتين فى الشعوب أو مكتسبتين هما: الشهامة وحسن الاعتقاد فى النفس»،
ويرى أن توفر هاتين الصفتين فى الأمتين اليابانية والتركية هو سبب تقدمهما رغم كل الحوادث العديدة التى لو لحقت بغيرهما من الأمم لقضى عليها، لكنه ينفى أن تكون هناك أمم تولد ذليلة أو جبانة قائلاً: «إن مصلحة الحكام الظالمين تقتضى دائما قتل عواطف الشهامة والهمة والشعور الراقى فى الأمم لأنهم يريدون أن يحكموا قطيعا من الأغنام فى صورة إنسان..
والمنفعة الكبرى للتاريخ هى إقناع الناس بأنهم لم يكونوا جبناء من يوم مولدهم، وأن رضوخهم للظلم جاء لأسباب عارضية قهرية.. وإذا جاء يوم يفتخر المصرى فيه بأنه مصرى ويقبل الموت حبا فى مصر طائعا فرحا فبشر أهل هذه الديار بكل ما يبتغون من سيادة وعظمة واستقلال».
تدعو الله أن ترى هذا اليوم فى حياتك وتواصل قراءة ما كتبه الزعيم مصطفى كامل متحسرا على كونه صالحا للاستخدام الآن لأنه لم يمس ولايزال بكرتونته، وأغلب الظن أنه لن يمس أبدا، يقول رحمه الله: «لو بحثنا بحث إنصاف واعتدال فى الأسباب التى قضت علينا لوجدناها فى استعمال الحكام والأمراء للسلطة المطلقة استعمال جنون واستبداد واستخدامها لأهوائهم النفسانية ومطامعهم الشخصية وإماتتهم الشهامة فى الأمة وقتلهم لكل إرادة فيها وإدخالهم الاعتقاد فى نفوس أبنائها بأنهم ضعاف عاجزون لا حول لهم ولا قوة وأنهم متاع للحاكم يلعب به متى شاء ويبيعه إن أراد، وهكذا السلطة المطلقة إذا ضلت تخرب فى يوم واحد ما يعمر فى قرون، وبالعكس إذا وجهت للخير تبنى فى يوم ما لا تبنيه حكومات الدستور فى سنين وأعوام».
بذمتك هل يقال بعد هذا الكلام كلام؟. نعم يقال. فى كتابه يسأل مصطفى كامل فى لوعة عما كان سيحدث لو عادت الحياة إلى محمد على قائلاً: «ألا تراه أشقى الناس جميعا لو رأى مصر وقد تشوهت وقد تركها جميلة قادرة تعشقها الدنيا، ولايستطيع الدنو منها إنسان». سؤاله سيجعلك تسأل نفسك فورا: ما الذى سيحدث لو عادت الحياة إلى مصطفى كامل ليرى بعينى رأسه حال مصر واليابان اليوم؟!
فتحمد الله لأنه لن يعذب مصطفى كامل عذابا كهذا، فأنت تدرك أنه لو شهد أيامنا التى أصبح المصريون يفضلون فيها شعار مصطفى كامل المطرب «عم قول يا رب»، لما نجا من الجنون الفورى ولاستعوض الله فى كل العمر الذى قضاه فى النضال ولاستبدل شعاره الشهير بشعار عبدالفتاح القصرى الأصلح لهذه الأيام المباركة: «لا يأس مع الحياة ولا حياة لمن تنادى».
* يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. belalfadl@hotmail.com
الإثنين أغسطس 10, 2009 9:30 pm من طرف sonsonna
» بعد اللى مابينا
الإثنين أغسطس 10, 2009 12:12 am من طرف mohamedemad2010
» قصيدة الحزن
الإثنين أغسطس 10, 2009 12:07 am من طرف mohamedemad2010
» ازمة السكان فى مصر
الإثنين أغسطس 10, 2009 12:05 am من طرف mohamedemad2010
» كلام فى الحب
الإثنين أغسطس 10, 2009 12:04 am من طرف mohamedemad2010
» كيف تجعلين رائحة عطرك تدوم لفترة أطول؟
الأحد أغسطس 09, 2009 11:11 am من طرف sonsonna
» تحية وأكبار
الأحد أغسطس 09, 2009 10:46 am من طرف sonsonna
» أستغفروا الله..أبدأ بهذه الخطوة
الجمعة أغسطس 07, 2009 12:43 pm من طرف sonsonna
» الدورى المصرى
الأربعاء أغسطس 05, 2009 12:58 am من طرف sonsonna